فصل: 2- ماء البحر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الطهارة:

.المياه وأقسامها:

.القسم الأول من المياه: الماء المطلق:

وحكمه أنه طهور: أي أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ويندرج تحته من الانواع ما يأتي:

.1- ماء المطر والثلج والبرد:

لقول الله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} وقوله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد» رواه الجماعة إلا الترمذي.
وهي إما حقيقية كالطهارة بالماء أو حكمية كالطهارة بالتراب في التيمم.

.2- ماء البحر:

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطينا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» رواه الخمسة.
وقال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح، وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح.

.3- ماء زمزم:

لما روي من حديث علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ» رواه أحمد.

.4- الماء المتغير بطول المكث:

أو بسبب مقره، أو بمخالطة ما لا ينفك عنه غالبا، كالطحلب وورق الشجر، فإن اسم الماء المطلق يتناوله باتفاق العلماء.
والاصل في هذا الباب أن كل ما يصدق عليه اسم الماء مطلقا عن التقييد يصح التطهر به، قال الله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}.

.القسم الثاني: الماء المستعمل:

وهو المنفصل من أعضاء المتوضئ والمغتسل، وحكمه أنه طهور كالماء المطلق، سواء بسواء، اعتبارا بالاصل، حيث كان طهورا، ولم يوجد دليل يخرجه عن طهوريته، والحديث لربيع بنت معوذ في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «ومسح رأسه بما بقي من وضوء في يديه» رواه أحمد وأبو داود، ولفظ أبي داود «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان بيده» وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: «أين كنت يا أبا هريرة؟» فقال: كنت جنبا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: «سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» رواه الجماعة: ووجه دلالة الحديث، أن المؤمن إذا كان لا ينجس، فلا وجه لجعل الماء فاقدا للطهورية بمجرد مماسته له، إذ غايته التقاء طاهر بطاهر وهو لا يؤثر.
قال ابن المنذر: روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعي: أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد بللا في لحيته: يكفيه مسحه بذلك، قال: وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا، وبه أقول: وهذا المذهب إحدى الروايات عن مالك والشافعي، ونسبه ابن حزم إلى سفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر.

.القسم الثالث: الماء الذي خالطه طاهر:

كالصابون والزعفران والدقيق وغيرها من الاشياء التي تنفك عنها غالبا.
وحكمه أنه طهور مادام حافظا لاطلاقه، فإن خرج عن إطلاقه بحيث صار لا يتناوله اسم الماء المطلق كان طاهرا في نفسه، غير مطهر لغيره، فعن أم عطة قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته زينب فقال: «إغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك - إن رأيتن - بماء وسدر واجعلن في الاخيرة كافورا أو شيئا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغن آذناه، فأعطانا حقوه فقال: أشعر نها إياه» تعني: إزاره، رواه الجماعة.
والميت لا يغسل إلا بما يصح به التطهير للحي، وعند أحمد والنسائي وابن خزيمة من حديث أم هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد: قصعة فيها أثر العجين، ففي الحديثين وجد الاختلاط، إلا أنه لم يبلغ بحيث يسلب عنه إطلاق اسم الماء عليه.

.القسم الرابع: الماء الذي لاقته النجاسة:

وله حالتان:

.الأولى:

أن تغير النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه وهو في هذه الحالة لا يجوز التطهر به إجماعا، نقل ذلك ابن المنذر وابن الملقن.

.الثانية:

أن يبقي الماء على إطلاقه، بأن لا يتغير أحد أوصافه الثلاثة.
وحكمه أنه طاهر مطهر قل أو كثر، دليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه الجماعة إلا مسلما وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شئ»
رواه أحمد والشافعي وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، وقال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح وصححه يحيى بن معين وأبو محمد بن حزم.
وإلى هذا ذهب ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصري، وابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى والثوري وداود الظاهري والنخعي ومالك وغيرهم، وقال الغزالي: وددت لو أن مذهب الشافعي في المياه كان كمذهب مالك.
وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة، فهو مضطرب سندا، ومتنا.
قال ابن عبد البر في التمهيد: ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين، مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت من جهة الاثر.
قال أبو داود وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها؟ قال: أكثر ما يكون فيها الماء الى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه.
هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون، ذرعته، قسته بالذراع.

.السؤر:

السؤر هو: ما بقي في الاناء بعد الشرب وهو أنواع:

.1- سؤر الادمي:

وهو طاهر من المسلم والكافر والجنب والحائض.
وأما قول الله تعالى: {إنما المشركون نجس} فالمراد به نجاستهم المعنوية، من جهة اعتقادهم الباطل، وعدم تحرزهم من الاقذار والنجاسات، لا أن أعيانهم وأبدانهم نجسة، وقد كانوا يخالطون المسلمين، وترد رسلهم ووفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلون مسجده، ولم يأمر بغسل شيء مما أصابته أبدانهم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في» رواه مسلم.

.2- سؤر ما يؤكل لحمه:

وهو طاهر، لأن لعابه متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه. قال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه والوضوء به.

.3- سؤر البغل والحمار والسباع وجوارح الطير:

وهو طاهر، لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: «أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال نعم.وبما أفضلت السباع كلها» أخرجه الشافعي والدارقطني والبيهقي، وقال: له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له فقال عمر رضي الله عنه: أولغت السباع عليك الليلة في متكلف!، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما قي شراب وطهور رواه الدار قطني، وعن يحيى بن سعيد «أن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر: لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا» رواه مالك في الموطأ.

.4- سؤر الهرة:

وهو طاهر، لحديث كبشة بنت كعب، وكانت تحت أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له..فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الاناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآني أنظر فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقالت: نعم.
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات» رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه البخاري وغيره.

.5- سؤر الكلب والخنزير:

وهو نجس يجب اجتنابه.
أما سؤر الكلب، فلما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا» ولأحمد ومسلم «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب»، وأما سؤر الخنزير فلخبثه وقذارته.

.النجاسة:

النجاسة هي القذارة التي يجب على المسلم أن ينتزه عنها ويغسل ما أصابه منها.
قال الله تعالى: {وثيابك فطهر} وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الايمان».
ولها مباحث نذكرها فيما يلي:

.أنواع النجاسات:

.1- الميتة:

وهي ما مات حتف أنفه: أي من غير تذكية، ويلحق بها ما قطع من الحي، لحديث أبي واقد الليثي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قط من البهيمة وهي حية فهو ميتة» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم.
ويستثنى من ذلك:
1- ميتة السمك والجراد:
فإنها طاهرة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحل لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني، والحديث ضعيف، لكن الإمام أحمد صحح وقفه، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم، ومثل هذا له حكم الرفع، لأن قول الصحابي: أحل لنا كذا وحرم علينا كذا.
مثل قوله: أمرنا ونهينا، وقد تقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
ب - ميتة ما لا دم له سائل:
كالنمل والنحل ونحوها، فإنها طاهرة إذا وقعت في شيء وماتت فيه لا تنجسه.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا في طهارة ما ذكر إلا ما روي عن الشافعي والمشهور من مذهبه أنه نجس، ويعفى عنه إذا وقع في المائع ما لم يغيره.
ح - عظم الميتة وقرنها:
وظفرها وشعرها وريشها وجلدها، وكل ما هو من جنس ذلك طاهر، لأن الاصل في هذه كلها الطهارة، ولا دليل على النجاسة.
قال الزهري: في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها، لا يرون به بأسا، رواه البخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وهلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعم به؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها» رواه الجماعة إلا أن ابن ماجه قال فيه: عن ميمونة، وليس في البخاري ولا النسائي ذكر الدباغ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} إلى آخر الآية، وقال: إنما حرم ما يؤكل منها وهو اللحم، فأما الجلد والقد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال، رواه ابن المنذر وابن حاتم.
وكذلك أنفحة الميتة ولبنها طاهر، لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس، وهو يعمل بالانفحة، مع أن ذبائحهم تعتبر كالميتة، وقد ثبت عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه سئل عن شيء من الجبن والسمن والفراء، فقال: الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه.
ومن المعلوم أن السؤال كان عن جبن المجوس، حينما كان سلمان نائب عمر بن الخطاب على المدائن.